د. نادية مصطفي تكتب ...مخاطر الانقلاب العسكري على الأمن المصري


بقلم / د . نادية مصطفي 

إن ما يجري على أرض مصر هو انقلاب عسكري التحف بمظاهرات حاشدة، فهو ليس ثورة شعبية ساندها الجيش كما يقول البعض، أو موجة ثورية من رحم ثورة 25 يناير، بل أرادها أصحابها ثورة جديدة على ثورة 25 يناير.
 هو انقلاب عسكري لم يستهدف فقط إسقاط الرئيس مرسي الذي تنامت المعارضة لإدارته وسياساته, ولكن إسقاط الإخوان وضرب التيار الإسلامي شريك ثورة 25 يناير مع التيارات الوطنية الأخرى. هو انقلاب نتاج خطة ممنهجة ومنظمة وممتدة وليس وليد لحظة ظرفية، تحالفت فيها وتعاونت قوى انقلابية ثلاث: المعارضة العلمانية، قوى نظام مبارك وأدوات الدولة العميقة، ووفَّرت لهم الغطاء القوى الأمنية الشرطية والعسكرية واستهدف هذا التحالف بأدواته الرأي العام المصري لتشويه ثورة 25 يناير أولاً ثم تشويه الرئيس وإفشاله، ومن ثمَّّ النجاح في حشد قطاع من الشعب المصري للخروج ضده وضد ثورة 25 يناير.
    إن الانقلاب العسكري دشَّن لمغالبة التيار العلماني الذي سبق واتهم الإخوان وحزب الحرية والعدالة بالمغالبة والأخونة، إنها هذه المرة ليست مغالبة بالصندوق الانتخابي ولكن مغالبة بالدبابة، تظهر واضحة في تشكيل الحكومة واختيار مستشاري الرئيس المؤقت والنواب، كما تبرز في الجدول الزمني للإعلان الدستوري (الدستور أولاً) عودة للمسار الذي كان يدافع عنه الانقلابيون منذ رفضهم نتيجة استفتاء مارس 2011، وتتم هذه المغالبة في إطار تحالف مع نظام مبارك.
    دشَّن الانقلاب مغالبة جديدة كما أخذ يواجه مقاومة جادة ولكن في إطار من التقييد والانتهاك لحقوق وحريات مدنية وسياسية، هي من صميم قيم وثقافة الديموقراطية الليبرالية. ولقد ظل الليبراليون الزائفون والانقلابيون يتشدقون بها خلال مناوئتهم وانقلابهم على الرئيس مرسي طوال عام من رئاسته. فإن المغالبة الانقلابية الآن اقترنت بحملة صناعة كراهية وتشويه تستكمل الحملات السابقة التي ظهرت خلال عامين ونصف منذ اندلاع ثورة 25 يناير، كما تقترن هذه المغالبة الانتقالية بممارسات أمنية وشرطية وعسكرية - قمعية ضد أنصار د.مرسي وضد المعارضين للانقلاب.
    بدأت مقاومة الانقلاب والدفاع عن شرعية د.مرسي بل والدفاع عن المسار الديموقراطي الوليد، على أكثر من جبهة بدأت وتركزت أساسًا على صعيد جبهة القوى الإسلامية وأخذت تضم روافد أخرى من الشعب المصري ترفض عواقب الانقلاب على الشرعية الدستورية والقانونية بل والمسار الديموقراطي برمته وليس على حقوق وحريات التيار الإسلامي فقط، وتمثل الاعتصامات، وعلى رأسها اعتصام رابعة العدوية والنهضة، والتظاهرات الحاشدة في كافة أرجاء مصر أيرز صور هذه المقاومة والرفض، ولقد بدأت في رابعة العدوية منذ ما قبل 3/7/2013, وتطور أداؤها وخطابها، وتعرضت لقمع شديد (مجزرة بين السرايات ومجزرة الحرس الجمهوري، ورمسيس، والجيزة.....) رغم تأكيد المتظاهرين على السلمية.
وإذا كانت الديموقراطية –كما يقول مبررو ما أسموه ثورة يونيو المجيدة- ليست فقط صناديق الانتخابات ولكن "الحشد" وقيم وثقافة الديموقراطية فأين نحن الآن من ذلك؟ إننا نعيش أسوأ مشهد من مشاهد "المعايير المزدوجة" وإسقاط القيم والمعايير من أجل انتهازية سياسية فجة، لا تتورع أن ترتكب –وتحت أسنة الرماح والدبابات- كل ما اتهمت به حكم الرئيس مرسي المنتخب عبر عام، واتهمت به الأغلبية الإسلامية في البرلمان وحتى حله، أو اتهمت به العلاقة بين الإخوان والمجلس العسكري عبر العام ونصف الأول من عمر ثورة 25 يناير المجيدة.
 
1.    الانقلاب وتهديد الأمن المصري:
إن هذا الخيط الناظم الخماسي الأبعاد الذي يستند إلى التقارير النوعية التالية إنما يستدعي جانبًا آخرَ هامًّا في تقييم عواقب الانقلاب على الأمن المصري. فإذا كانت خطة وزير الدفاع الانقلابية قد برَّرت تدخل الجيش بحماية الأمن القومي إلا أن مجريات الأسبوعين الماضيين قد كشفت عن تهديدات للأمن المصري تتمثل في الآتي:
‌أ.       إن التظاهرات الحاشدة ليوم 30/6، كان يرتهن مآلها -كموجة ثورية- بشرطين: الشرط الأول ما يتعلق بضرورة فك ارتباط هذه الموجة بالنظام السابق التي قامت ضده ثورة 25 يناير. أما الشرط الثاني فيتعلق بضرورة فك ارتباط هذه الموجة الثورية بأي تدخل للجيش أو انقلابات عسكرية بما يحفظ الثابت في الصياغة الجديدة للعلاقات العسكرية- المدنية، وكان من المهم أن تحافظ هذه الموجة على أن تكون ثورة من رحم ثورة 25 يناير لا ثورة مضادة عليها؛ حيث إن ثورة 25 يناير كانت ثورة جامعة شاملة لكل أطياف المصريين، إلا أنه جرى توظيف تظاهرات 30/6 لمصلحة الحكم العسكري ونظام مبارك السابق، ولدعم اتجاهات إقصائية لتيارات شاركت في ثورة 25 يناير. وكل هذا يهدد الأمن القومي المصري من جراء تدعيم استقطاب جديد ، وليس خروجًا من الأزمة، التي تنامت في ظل تصاعد الاستقطاب منذ مارس 2011.
‌ب.  إن الأمن المصري مُهدَّد بقوة الآن بسبب حملات صناعة الكراهية التي تقودها بعض وسائل الإعلام المصرية بل والعربية أيضًا التي حولت المعارضة لسياسات مرسي، وهي مشروعة، إلى مشروع تحريض وتعبئة وتشويه وتخوين وتشكيك واتهامات ضد الإسلاميين بصفةٍ عامة والإخوان بصفةٍ خاصة، وعلى النحو الذي يُهدِّد كل قيم الديمقراطية والحريات في ظل الانقلاب العسكري وتدخلات الدولة العميقة.
‌ج.    إن دخول القيادة العامة للقوات المسلحة 3/7/2013 إلى الساحة السياسية اقترن بالتدخل في مساحات من الممارسات الإعلامية والسياسية والثقافية، بحيث دخلت إلى الساحة الأمنية مثلما كان يفعل نظام مبارك أو يزيد، وتتزايد يومًا بعد يوم المؤشرات على هذا الوضع، في ظل انحياز قيادة مؤسسة سيادية، كمؤسسة القوات المسلحة، إلى طرف في مواجهة طرف آخر يؤجج الصراع، ويؤدي إلى اضطراب في المجتمع، وفي ظل إشراك القيادات الدينية (الإسلامية والمسيحية) لتوفير غطاء لمشروعية الانقلاب العسكري على النحو الذي أبرز انحياز الأزهر والكنيسة القبطية إلى طرف دون طرف في الصراع السياسي الدائر، وهو الأمر الذي ينال من الدور الوطني لهاتين المؤسستين، وما لذلك من انعكاسات على الأمن المجتمعي والجماعة الوطنية.
‌د.      إن الأمن المصري مُهدَّد بقوة في سيناء، وإن أحداثها الأخيرة تشير إلى ردود فعل غاضبة على التدخل الجديد للجيش في السياسة على حساب الشرعية والدستور والقانون، في نفس الوقت الذي يتزايد فيه إعلان "إسرائيل" عن نوايا تدخلية لحماية أمنها. فكلما انغمس الجيش في الصراع السياسي الداخلي، ازدادت المشاكل التي تهدد الأمن القومي المصري. وهذه من الدواعي الأساسية التي تجعلنا نطالب الجيش بالاهتمام بمهامه وأدواره الأساسية دون التورط في ساحات السياسة وصراعاتها.
‌ه.    إن الأمن المصري مُهدَّد بقوة الآن؛ لأن الحراك الشعبي الكبير من جانب القوى الرافضة للانقلاب العسكري ضد الدستور والديمقراطية في تصاعد مستمر. وبالرغم من تأكيد هذه القوى على السلمية وعدم اللجوء إلى العنف المسلح إلا أن أحداث العنف تتوالى بتكرار متزايد وباتساع المساحات. وفي حين يُركِّز الإعلام على بعض أحداث العنف التي يتهمون بها مؤيدي الرئيس مرسي ويحولونها إلى مادة للكراهية والاتهام بالإرهاب، فإنهم يصمتون عن مجازر فجة يتعرض لها المعتصمون تأييدًا للرئيس في ميدان النهضة وفي الأقاليم، وأخيرًا أمام دار الحرس الجمهوري. وفي حين يحظى المؤيدون للانقلاب العسكري المعتصمون والمتظاهرون في كل مكان بتأمين الجيش والشرطة، فإن شركاءهم في الوطن على الجانب السياسي الآخر لا ينعمون بهذه الحماية بل يعانون من الهجوم المضاد عليهم والاتهام بالإرهاب والمطالبة باعتقالهم وتصفيتهم.
‌و.      إن الأمن المصري يُهدِّده الآن، على ضوء مؤشرات تطبيق خارطة الطريق المعلنة في 3/7، مغالبة جديدة ضد الجامعية التي تحقق الوئام السياسي والمجتمعي، في حين كانت أحد أهم أسباب موجة 30 يونيو الاحتجاجية، هو اتهام حكم الرئيس مرسي بالمغالبة والإقصاء. ولا يمكن تصور أن عملية إقصاء ومغالبة جديدة ستؤدي إلى حل مشكلات الأمة. فمن خبرة تاريخ مصر القريب فإن المغالبة لم تُفرز إلا احتجاجات واستقطابات مقيتة، وفي هذا خطورة على مستقبل الجماعة الوطنية المصرية ولُحمتها وتماسكها، وهو ما نحن في حاجة إليه في الآونة المتعلقة بالانتقال والبناء. وهناك استحقاقات للأمة الجامعة لم تتحقق حتى الآن، ولا بد أن تتحقق.
‌ز.      إن الأمن القومي المصري، بل ثورة 25 يناير، يُهدِّدهما عودة رموز النظام السابق وروحه إلى المشهد بنفس الأساليب والآليات القديمة، بل برز الاتجاه للحديث عن "ثورة 30 يونيو" تجاوزًا لثورة 25 يناير 2011.
‌ح.    إن الأمن المصري، من مدخل الاستقلال الوطني، مُهدَّد بتحالف إقليمي ضد الثورات العربية، وهو التحالف الذي يقع في نطاق مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي واجهته الثورات العربية باندلاعها.
2.    لاءات لتهديد الحريات والمسار الديمقراطي وتماسك الجماعة الوطنية:
إن الرصد في التقارير التالية يُؤسِّس أيضًا لأن نُصدِّر هذا الجزء الأوَّلي من الملف الذي يغطي الفترة 3- 15/7/2013 بمجموعة من اللاءات لأمور تهُدِّد المسار الديموقراطي وتماسك الجماعة الوطنية, كما تُكرِّس للمعايير المزدوجة التي تضرب في الصميم كل قيم وثقافة الديموقراطية المنشودة والتي أطيح بها يوم أطيح بنتائج الصناديق.
1.       لا للعسكر في العملية السياسية، ولا لحكم العسكر من وراء ستار.
2.       لا للانقلاب العسكري على ثورة 25 يناير.
3.       لا لعودة رموز (نظام مبارك) أو التحالف مع رموزه، خلال تظاهرات 30/6، وترتيبات الانقلاب.
4.       لا للثورة المضادة على ثورة 25 يناير.
5.       لا لاستدعاء الخارج.
6.       لا للمعايير المزدوجة التي تُقسِّم الشعب الواحد إلى شعبين.
7.       لا لصناعة الكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
8.       لا لسلطات فرعونية في يد رئيس مؤقت معين من قِبل العسكر.
9.       لا إقصاء أو تشويه أو تصفية لأي فصيل سياسي.
10.  لا مصالحة في ظل الإجراءات الاستثنائية، وتكميم الأفواه، وتقييد الحريات.
11.  لا لمغالبة جديدة تقضي على إمكانات "التراضي" الوطني.
12.  لا لحكومة من لون واحد ليست بحكومة تكنوقراط ولاكفاءات.
13.  لا للفلول في الحكومة.
14.  لا لتعديل دستوري أو دستور جديد قبل انتخابات برلمانية ورئاسية.
15.  لا للعنف من أي طرف كان.
16.  لا للعنف في التعامل مع المعارضة والتظاهرات.
17.  لا لعودة أمن الدولة وممارساتها القمعية.
18.  لا لإعلام مُطبِّل للعسكر ومدمِّر للوطن.
19.  لا للزج بالقضاء في الصراع السياسي.
20.  لا لتلفيق القضايا للخصوم السياسيين.
21.  لا لنائب عام جديد في ظل انقلاب على ثورة 25/1.
22.  لا لتحدي هوية المجتمع.
23.  لا لثقافة وفنون الابتذال.
24.  لا للتسوُّل من الخارج بالمنح والهبات.
ونأمل أن تساعد هذه اللاءات ثم التقارير الدورية المرتقبة النصف شهرية بإذن الله – من هذا الملف على اكتشاف مناطق مشتركة بين طرفي الاستقطاب قد تمُثل منطلقًا لبناء تيار جديد بين تيارات الاستقطاب المقيت، وهو تيار ما فتأت علاقاته تظهر وتختفي منذ 25 يناير. وكان ضعف هذا التيار من أهم أسباب الأزمة التي تعيشها ثورة 25 يناير الآن.
وأخيرًا: إن ملامح المشهد طيلة أسبوعين منذ انقلاب 3/7 تفصح عن عودة فجة لعناصر نظام مبارك ونظام قديم قامت ضده ثورة 25 يناير في شكل جديد يريد التمكن وبثوب جديد:
1.    دور سياسي من جديد للجيش يعيدنا إلى روح الخمسينيات والستينيات ولكن أيضًا بأساليب حديثة لتكنولوجيا الإعلام، وصناعة الصورة لقيادة الجيش باعتبار الفريق السيسي بطلاً وطنيًّا، مع ظهور أسئلة كثيرة عن عقيدة وثقافة الجيش السياسية وعن صورته الحالية لدى القطاعات المختلفة من الشعب المصري مقارنةً بصورته منذ 28/1/2011. إنه دور سياسي متجدد للجيش, مع إنكار لصفته الانقلابية، بل وتجميلها، باعتباره حامي الإرادة الشعبية من خطر الفاشية الإخوانية والإسلامية، في حين أن هذا الدور الراهن بعد ثورة 25 يناير يؤكد أنه لا مستقبل سياسي لمصر على الإطلاق في ظل استمرار هذا الدور.
2.    عودة دور الشرطة بعد محو ذاكرتها في 25-28يناير 2011 وتجميل ممارساتها وصورتها –كذبًا ظاهرًا- طوال عامين ونصف، وها هي تدعى أنها تحمي ثورة على رئيس فاشل وفاسد وخائن يُشبَّه بمبارك، بعد أن تقاعست عن آداء دورها في مقاومة الانقلاب الأمني طوال عام من رئاسة د.مرسي.
3.    أساليب مُستحدثة في المواجهة مع الإسلاميين وليس الإخوان فقط تشيع فيها ريح 1954، 1964 وأهدافهما ولكن تُخطط بأدوات ومفردات جديدة.
4.    وجه نيو ليبرالي/ اقتصادي شديد الوضوح في تشكيل الحكومة مع محاولة لموازنته بوجوه يسارية عتيدة، وبحديث عن عدالة اجتماعية لتلبية احتياجات الشعب الغاضب.
5.    تصدير كوادر جديدة من الشباب منقطعة الصلة بدرجة كبيرة عن نخبة الشباب الذي فجَّر ثورة 25 يناير، ناهيك عن أحاديث (معلومات وتحليلات) عن نشأة تمرد ومن احتضنها (المخابرات) ومن موَّلها (رجال الأعمال) ومن خطط لخطابها (الناصريون).
6.    انخراط النخب الانقلابية المدنية والعسكرية مع اتجاهات شعبوية زاعقة، إما بالتمجيد الزائف لقطاع محشود ومصنوع في معظمه، أطلق عليه شعب ثورة 30/6، وإما بالإهمال أو العداء السافر لجانب آخر من هذا الشعب وهو المحتشد والمعتصم في ميادين مصر دفاعًا عن الشرعية وضد الانقلاب عليها.
7.    انكشاف عداء السياق الإقليمي والعالمي ليس لحكومة مرسي أو للإخوان وللإسلاميين ولكن لأهداف ثورة 25 يناير بالأساس، فهل الانقلاب يمُثِّل عودة لسياسة نظام مبارك الخارجية بعد محاولات الخروج من أسرها طوال عامين ونصف وبعد كل هذه الاتهامات لمرسي والإخوان بالاتفاق مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" حلفاء نظام مبارك؟


ميديا واخبار العرب
زوروا موقعنا الجديد لكل الفيديوهات - رياضية سياسية دينية وثائقة

رجــاء اترك تعليقا عن رايك فيما قرأت او شاهدت Facebook Comments تعليقات الفيس بوك




0 comments

ضع تعليق

رجاء اترك تعليقك على ما قرأت

Copyright 2011 موقع الاخبار اخر خبر والاخبار العاجلة Designed by