لم يكن الشاب الإثيوبي "أحمد حسين"، الذي خرج على الرأي العام المصري بتصريحات خطيرة قبل يومين أكد فيها أن المزاج العام الإثيوبي يدعم بناء "سد النهضة"، ليفوِّت التعليق على الحوار الوطني الذي عقده الرئيس محمد مرسي أمس مع القوى السياسية، لمناقشة تداعيات السد والأزمة الحالية.
وأكد حسين في تصريحات خاصة لـ"الوطن"، أنه يجدر بالشعب المصري قبل الإثيوبي أن يقدم التحية والشكر للدكتورة باكينام الشرقاوي مساعد رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، على خطئها "غير المقصود" بعدم إبلاغ الحضور بإذاعة الحوار على الهواء مباشرة، حيث كشف الخطأ "مدى تدني مستوى وضيق أفق الساسة المصريين، حكومة ومعارضة". وأضاف أن المأساة الحقيقية كانت في اعتذار بعض رموز السياسة عن الحضور، كالدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى وغيرهم، وهو ما "فوَّت على الشعب المصري فرصة ذهبية للتعرف على الوجه الحقيقي للكيفية التي تفكر بها نخبتهم وتدير بها البلاد".
وشدد على أن "المحاور الحصيف" يتوجب عليه أن يضع جميع الاحتمالات المتاحة أمامه وأمام خصمه، لكنه إضافة إلى ذلك يجب عليه أن يعرف متى يلوِّح بأي احتمال وفي أي سياق، معربا عن أنه فوجئ بميل عدد كبير من الحضور إلى تقديم الخيار العسكري على الدبلوماسي والسياسي، وإقرارهم مسبقا بأن الأخيرين لا طائل منهما، بينما انخفض الصوت المطالب بنقد الذات أولا وإيجاد مصدر الأزمة وأسبابها للتمكن من الوصول إلى حل، ما يوضح جليا أن "السياسة المصرية لم تتعلم من أخطائها السابقة في التعامل مع دول حوض النيل، وتصر على الاستمرار على ذات النهج العقيم المتجاهل لرؤى ومشروعية مطالب تلك الدول"، وهو ما أجبر، بحسب تأكيده، حكومات هذه الدول على تخطي وتجاوز الحكومة المصرية بعد فقدان الأمل منها، لعدم استجابتها لأي من الجهود الدبلوماسية المستمرة منذ عام 1993 حتى الآن.
ولفت حسين إلى أنه يتعيَّن التركيز على ما آراء أربعة من الحضور؛ هم الرئيس محمد مرسي، والدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة، والمهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، ومجدي حسين رئيس حزب العمل الجديد، مؤكدا أن ما قالوه يعكس بشكل واضح الرأي السائد لدى مجموعة كبيرة من المصريين.
وأشار إلى أن مرسي "أسهب في الحديث عن عدم سماح الدولة المصرية بالمساس بقطرة مياه واحدة، ومن ثم شدد على ضرورة التفاوض مع الحكومة الإثيوبية، الأمر الذي يستدعي إلى أذهاننا مشهدا من مشاهد الاستقطاب السياسي في مصر، حيث يعيب الرئيس على قوى المعارضة، متمثلة في جبهة الإنقاذ، عدم قبولها اللجوء إلى الحوار معه دون وضع شروط استباقية، مدَّعيا أن الحوار يجب أن يكون مفتوحا ودون شروط"، متسائلا: "إن لم تكن للرئيس القدرة على أن يقنع جبهة تجاوزها الشارع وتخطاها للجلوس إلى طاولة الحوار دون شروط، فهل يتوقع أن يقنع دولة ذات ثقل سياسي كبير في إفريقيا كإثيوبيا بالجلوس معه بشروط يحددها هو؟ وما الفائدة التي سترجوها إثيوبيا من الحوار إن ظلت الأمور على وضعها الحالي؟".
ودعا حسين سلطات بلاده إلى الاستفادة من الملاحظات الفنية التي تناولها الرئيس في معرض حديثه، والتي أثارت اهتمامه كمواطن إثيوبي، بشأن تصميم "سد النهضة" الهندسي ومدى كفاءته، ومحاولة علاجها في حال صحتها.
وجنح إلى الاعتقاد بأن كلام الدكتور أيمن نور خلال المؤتمر أتى "برهانا جليا على أن الحكومة المصرية والنخبة يستطيب لهم التصرف وكأن مصر دولة عظمى، ويطالبون بقية الدول بمعاملتها على ذاك النحو، رغم أن كل ذلك لا يعدو أن يكون نوعا من أنواع العنتريَّة".
وأوضح أن طلب نور اللجوء إلى الحيلة وإطلاق الشائعات، واستغلال الدول المحيطة بإثيوبيا كإريتريا وجيبوتي والصومال، ودفعها إلى استثارة الفتن والقلاقل وتشجيع العنف والتدخل في الشأن الداخلي، كل ذلك أمر ليس جديدا على الحكومة المصرية، مشيرا إلى أن المصريين لاموا السلطات الإثيوبية على استغلالها لحظة ضعف وترهل السياسة المصرية لتحقيق مصلحة وطنية، مع أن إثيوبيا قدمت بادرة حسن نية حين استجابت لمطلب البعثة الشعبية المصرية بعد الثورة، وأرجأت التصديق على أية اتفاقيات لحين انتخاب الرئيس ومجلس الشعب، ملمحا إلى أن السياسة المصرية "ليست، على ما يبدو، بهذا الطُهر".
وعاد حسين لتأكيد أن دعوة أبو العلا ماضي إلى التدخل العسكري المباشر وضرب السد إن توجَّب ذلك، تعد "استمرارا لمسلسل الاستهانة بالدول الإفريقية، وكأن الجيش الإثيوبي سيدافع عن السد بالرماح، أو سيضع الإثيوبيين أيديهم على خدودهم ويشكون قسوة الزمن إن تمت العملية بنجاح". وأوضح أنه من الخطير جدا أن تكون السياسة المصرية على هذه "الضآلة من الإدراك"، حيث لم يحسب الحضور "قوة الجيش الإثيوبي، الذي هو أكثر ممارسة للحروب من الجيش المصري، ولا حسبوا الأثر الذي سيوقعه هذا التصعيد على الرأي السياسي الإفريقي والدولي، ولم يحسبوا إن كانت السودان ستسمح للطائرات المصرية، إن وُجِدَتْ، بالقيام بمثل هذه العملية من أجوائها، رغم أن الموقف الرسمي في السودان يرى أن السد سيعود بالفائدة عليهم ولن يسبب أضرارا لحصتهم من المياه".
وألمح إلى أن الشِّدة في الحديث وعلو النبرة من أحد الأطراف سينعكس طرديا على الطرف المقابل، فحين تبحث مصر وثورتها عن ميلاد وسبل انبعاث علاقاتها مع المحيط الإفريقي، وتريد تفعيل الجهود الدبلوماسية لإيجاد سبل التعاون المشترك وتحقيق المصلحة العامة والتفاوض للوصول إلى تسوية ترضي جميع الأطراف، لا تجد من نخبتها إلا "اقتراحات بائسة، قد تنذر بفشل أية محاولات جادة للوصول إلى استحقاقات".
وختم أحمد حسين حديثه لـ"الوطن" مؤكدا أن كلام مجدي حسين جاء "ممثلا لحلقة كبيرة من الوهم يعيش فيها كثير من المصريين، بأن الأطراف الحقيقية وراء بناء السد هي أمريكا وإسرائيل"، مشددا على أن خطورة هذا الوهم تكمن في أنه سيشكل ضبابية في رؤية الأزمة، وبالتالي ضبابية في إيجاد الحل. ولم ينكر "التأثير المؤسف لأمريكا وإسرائيل على الجانب العسكري الإثيوبي"، لكنه عاد ليؤكد ضرورة "عدم الخلط بين هذا وبين أن السد مشروع قومي حشد له ملّاس زيناوي منذ سنين"، وإصرار البعض في مصر على أن كل ما يُنسج حولهم هو مؤامرة، وعلى أن إنكار المؤامرة هو مؤامرة في حد ذاته، دون أي حجة أو برهان يُثبت أن لأي من أمريكا وإسرائيل يد أو تأثير على قرار بناء السد، سيعرقل أية محاولات حقيقية للوصول إلى تسوية، إن كانت مصر جادة في رغبتها في ذلك.
زوروا موقعنا الجديد لكل الفيديوهات - رياضية سياسية دينية وثائقة
رجــاء اترك تعليقا عن رايك فيما قرأت او شاهدت
|
Follow @22xc |