لم يكن المشير عبد الفتاح السيسي معروفا للشعب المصري قبل الثورات العربية عام 2011، ولكن يبدو أنه في طريقه لأن يصبح رئيس مصر القادم.
ويعكس هذا الصعود الملحوظ القوة الكبيرة للمؤسسة العسكرية وقدرة المشير على تسخير تلك القوة لمصلحته ولأغراض المؤسسة التي ينتمي إليها.
وكان العامل الرئيسي في حنكته السياسية هو حالة التكتم والسرية التي يحيط بها نفسه مقترنة بالقدرة على لعب الأدوار بشكل بارع مكنه من خداع خصومه بطريقة جعلتهم يعتقدون أنه مجرد ضابط في الجيش بدون طموح، في نفس الوقت الذي تمكن فيه من اجتذاب العامة باعتباره الرجل الذي سيقودهم للخروج من المستنقع السياسي في مرحلة ما بعد مبارك.
فمن هو هذا الضابط الغامض نوعا ما؟ وكيف سيحكم مصر وما هي أغراضه؟
حماية طنطاوي
أولا وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن المشير السيسي هو نتاج القيادة العسكرية العليا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كما هو واضح من سيرته الوظيفية وتحالفاته الشخصية.
يعد الجيش، وبداخله سلاح المشاة الذي خرج منه الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات، هو المسار الرئيسي للسياسة في مصر.
واختار السادات مبارك نائبا له لأنه كان ضابطا بالقوات الجوية وبالتالي لن يستطيع ضمان ولاء قوات كافية للقيام بانقلاب عسكري.
وعقب تولي السلطة بعد اغتيال السادات عام 1981، استقر مبارك في نهاية المطاف على جنرال في سلاح المشاة ليس له حضور قوي وهو محمد حسين طنطاوي، لوزارة الدفاع – باعتباره رئيسا تنفيذيا لا أقل ولا أكثر – ومنح الموالين المكافأت والترقيات، وظهرت المحسوبية في الاقتصاد المترامي الأطراف للمؤسسة العسكرية.
السيسي كان أحد المفضلين لدى طنطاوي الذي كلفه يخصه بمهام متميزة في طريق صعوده كضابط في سلاح المشاة.
وحصل السيسي على التدريبات والاتصالات والخبرات اللازمة من خلال تكليفه بمهام في كلية القيادة والأركان المشتركة في بريطانيا، وكلية الحرب في الجيش الأمريكي، والملحق العسكري في الرياض.
وزادت خبرات السيسي القيادية مع توليه مناصب عدة عسكرية بدأت بتعيينه قائدا لكتيبة ثم لواء وفرقة وقائد فرقة مشاة ميكانيكي ورئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية.
وبعد أن استقرت لدى السيسي أسس القيادة العسكرية إضافة إلى توثيق علاقاته مع الضباط، اتجه إلى منصب آخر أكثر حيوية وهو نائب رئيس الاستخبارات العسكرية، وهي الجهة المسؤولة بشكل أساسي عن مراقبة الضباط.
ومن خلال ذلك المنصب، عيّن المشير طنطاوي السيسي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي الجهة التي من خلاها حكم طنطاوي مصر بعد أن وافق على الإطاحة بمبارك عام 2011.
ولم يكن السيسي ضمن الـ 20 ضابطا الأساسيين في المجلس العسكري وكان أصغر عضو بالمجلس، والواضح أن السيسي انضم للمجلس بسبب ولائه الشخصي لطنطاوي وبراعته السياسية.
وسرعان ما أصبح السيسي وجها رئيسيا في المجلس العسكري، بسبب تعامله مع قضايا مثيرة للجدل مثل "اختبارات كشف العذرية" من قبل الجيش بحق متظاهرات تم اعتقالهن.
بناء الثقة
وكان الشيء الأكثر أهمية هو الدور الذي قام به السيسي من وراء الكواليس كحلقة اتصال بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، وكان ذلك أيضا بتكليف من المشير طنطاوي.
وعرف عن السيسي على نطاق واسع أنه رجل مسلم متدين بحكم حياته الأسرية المحافظة، وولعه باستخدام آيات قرآنية في خطاباته اليومية، ودفاعه عن الإسلام أمام الغرب. وأقنع السيسي أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بأنه يشاطرهم العديد من وجهات نظرهم وبأنه ضابط يمكنهم الوثوق به.
ونجح السيسي في ذلك بشكل كبير، واعتمد عليه الرئيس محمد مرسي في أغسطس / آب 2012 عندما كان يبحث عن ضابط ليحل محل المشير طنطاوي كقائد أعلى للقوات المسلحة ووزير للدفاع.
ووافق السيسي على تولي المنصب، شريطة ألا يلحق أي أذى بالمشير طنطاوي أو رئيس هيئة الأركان العامة سامي عنان، أو أي ضباط آخرين مقربين منهما.
وأحيل طنطاوي وعنان للتقاعد وتم تكريمهما وترقيتهما، كما أحيل 70 ضابطا أو نحو ذلك ممن هم أكبر سنا من اللواء السيسي في ذلك الوقت – وبالتالي أعلى رتبة منه – إلى التقاعد، وهو ما يعني سيطرة السيسي بشكل فعلي وشكلي على القوات المسلحة.
وبالتالي، صعد عبد الفتاح السيسي إلى الأعلى، لا عن طريق الإطاحة برؤسائه، وإنما من خلال رعايتهم.
ثقة في غير محلها
كان من الواضح أن الرئيس مرسي وزملاءه في جماعة الإخوان المسلمين اعتقدوا أن المشير السيسي كان رجلهم، بسبب الصورة التي رسخها لديهم، بينما كان يطمئن المؤسسة العسكرية في نفس الوقت بأنه يحمي مصالحها.
وكان السيسي يبدي احتراما كبيرا لمرسي في الأماكن العامة، وفي المناسبات التي كانت تتحدث فيها وسائل الإعلام عن وجود خلاف بين الرجلين، كان القائد العسكري يفضل الانسحاب.
وفيما يتعلق بالمصالح الأمنية الحيوية في سيناء وعلى طول قناة السويس، تخطى السيسي الرئيس بإصدار مرسوم عسكري، ليثبت لزملائه الضباط أنه لن يترك الدور الأمني الحيوي الذي يقوم به الجيش في يد جماعة الإخوان المسلمين.
وتم تعزيز هذا الانطباع بصورة أكبر في دستور 2012، الذي تم صياغته من قبل مجلس الشعب الذي كان يهيمن عليه الإسلاميون، حيث منح هذا الدستور مزايا للجيش أكبر من تلك التي كان يتمتع بها في أي دستور سابق منذ عام 1923.
وقبل شهر من "انقلاب" المشير السيسي على الرئيس مرسي في الثالث من يوليو / تموز 2013، تمادى المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في تصريحاته المعتادة بتمجيد الجيش وقيادته.
وكان خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، واثقا بما فيه الكفاية للدرجة التي جعلته يتحدث بشكل عنيف وفظ مع المشير السيسي فيما يتعلق بمسؤولياته.
وكان من الواضح أن مرسي اعتقد حتى النهاية أن المشير سيقف إلى جانبه، واستبعد ما جاء في رسالة وزير الدفاع في الأول من يوليو / تموز بأنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب فسوف يكون لزاما على القوات المسلحة التدخل.
وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان وقيادتها خدعوا في ذلك، وفي نواح أخرى، إلا أن فشلهم في تقدير أهداف المشير السيسي تبرز قدرة السيسي على إخفاء أهدافه وخداع خصومه.
عودة المعلم
وإذا كان هناك أي شكوك حول استقلال المشير السيسي عن قاعدته الأصلية في القيادة العليا للجيش تحت إمرة طنطاوي، فإن التحركات الشخصية اللاحقة لإسقاط مرسي ينبغي أن تبدد تلك الشكوك.
فقد كان أول حركة تعيينات يقوم به السيسي في اليوم الذي عزل فيه مرسي ووضعه قيد الاعتقال هو تعيين اللواء محمد فريد التهامي في منصب رئيس المخابرات العامة، وهو المنصب الهام الذي كان مرسي عين فيه أحد الموالين قبل بضعة أشهر.
وكان اللواء التهامى، الذي يكبر السيسي بثمان سنوات، بمثابة معلم السيسي في سلاح المشاة في البداية ثم في جهاز المخابرات.
وكان التهامي مواليا لمبارك وطنطاوي، وأحيل للتقاعد من الجيش لكي يشغل منصب مدير هيئة الرقابة الإدارية، وهي مؤسسة حكومية لمكافحة الفساد وتستخدم في المقام الأول للتغطية على آثام من هم في السلطة، بما في ذلك ضباط الجيش.
ويكره الإخوان المسلمون التهامي وشنوا حملة قوية ضده، ولاسيما وأنه هو الشخص الذي عهد إليه السيسي بتدبير حملة ضد الجماعة، أدت بعد نحو أسبوعين لمقتل نحو 1000 شخص في "مجزرة" فض المتظاهرين في رابعة العدوية والنهضة، ثم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.
وبنظرة للوراء ، سنجد أنه من العجيب أن الإخوان المسلمين وثقوا في المشير السيسي، المعروف أنه مدعوم من التهامي، حامي شبكات فساد مبارك وطنطاوي، والمدافع القوي من خلال منصبه في المخابرات عن اتباع سياسة متشددة ضد الاسلاميين.
آلة الدعاية
وتعكس الحملة الرئاسية الوليدة للسيسي كونه منتجا للجيش واستمراره في الاعتماد عليه.
يشاع أن اللواء سمير فرج يلعب دورا رئيسيا في الحملة الانتخابية للسيسي. واللواء فرج خدم في سلاح المشاة والاستخبارات، وعينه مبارك محافظا لمدينة الأقصر ورئيسا لدار الأوبرا المصرية، وسبق أن وجهت إليه تهما بالفساد على نطاق واسع في تلك المناصب.
وهناك أيضا مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والإدارية اللواء محمود نصر –وهو الرجل الذي يعتقد أنه "مسؤول حسابات" شبكات المحسوبية الواسعة لمبارك وطنطاوي.
وحتى الآن، يتم إدارة الحملة من إدارة الشؤون المعنوية التابعة للجيش، والتي تعتمد على موارد الجيش التي لا تخضع لميزانية الدولة، لتمويل الأفلام، وملصقات الحملة الانتخابية، والتأجير المحتمل للحشود لتقديم دعم هائل للمشير.
ويعتقد أن محمد حسنين هيكل، الذي كان صديقا حميما لعبد الناصر والمدافع القوي عن إرثه المريب، أحد المستشارين الرئيسيين في حملة السيسي.
واستدعى السيسي عمرو موسى، وزير الخارجية السابق في عهد مبارك ورئيس جامعة الدول العربية السابق، للإشراف على صياغة الدستور المدعوم من الجيش، والذي تم إقراره في استفتاء يناير / كانون الثاني.
وأعرب موسى، الذي كان معروفا عنه علاقته القوية بالمجلس العسكري والذي كان يراه المجلس في وقت من الأوقات مرشحه المحتمل للرئاسة، عن دعمه لعزم السيسي الترشح للرئاسة.
تجنب اللوم
الموضوع الرئيسي للحملة الانتخابية حتى الآن هو مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي تحمل فيه خطابات المشير السيسي العديد من الإشارات إلى الإسلام.
وأعلن السيسي، على سبيل المثال، أنه يجب على المصريين أن "يثقوا في الله والجيش والشرطة للعبور بمصر إلى الحرية والاستقرار والتقدم".
ويحيط الغموض بسياسته الاقتصادية. وتم تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حيث ستكون الشروط التي سيفرضها الصندوق للحصول على قرض بمثابة انتحار سياسي لأي مرشح يلتزم بها.
ولكن المفاوضات مع الشخصيات الرأسمالية في الخارج استؤنفت، ربما لاستدراجهم هم وأموالهم للعودة لمصر مرة أخرى.
وأعلن عن الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع العام، كما أعلن عن حزمة للتحفيز بشكل عام.
وفي غضون ذلك، أصبحت الأزمة الاقتصادية أكثر حدة، كما يتضح من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم والدين الحكومي وانقطاع الكهرباء وهروب رأس المال وغياب السياح.
ونتيجة لذلك، يتجنب المشير السيسي أي لوم مباشر، وكان يلقي بذلك بكل مهارة على رئيس الوزراء حازم الببلاوي وحكومته التعيسة التي استقالت في 24 فبراير / شباط.
وفي مقابلة في دولة الإمارات العربية المتحدة قبل الإعلان عن ترشحه، أعرب السيسي نفسه عن استيائه من أداء حكومة الببلاوي.
وأشار أحد استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي المصريين راضون عن المشير السيسي وأدائه، في حين أظهر آخر أن خمس المصريين راضون عن الببلاوي وحكومته.
القيم التقليدية
وتعود شعبية السيسي إلى المؤسسة العسكرية التي تعد الأكثر ثقة بين المصريين، حيث أعرب نحو 90 بالمئة من المصريين عن دعمهم للجيش؛ ولرسالته بأنه سيعيد الاستقرار للبلاد بفضل الحملة على الإسلاميين؛ وإسقاطاته الماهرة كضابط متفائل يرتدي قبعات أنيقة ومسلم ورع يحترم التقاليد بالنسبة للمرأة والمسيحيين، وتجنبه الحديث عن الموضوعات الجوهرية، ولاسيما الاقتصاد.
ويمكن أن تكون هذه الرسالة، التي تتجنب المسائل الحرجة حقا، مقبولة جدا بين الشعب، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى مهارته في إيصال تلك الرسالة، التي تعتمد على كل خلفيته العسكرية وعلى نشأته التقليدية في حي الجمالية في قلب القاهرة التاريخية والإسلامية، التي دائما ما كان يشيد بها الروائي نجيب محفوظ، والخالدة في مخيلة معظم المصريين.
يعد السيسي مثالا حيا على ما يمكن أن تنتجه القيم والممارسات المصرية التقليدية.
وحتى لو رأى البعض في نهاية المطاف أنه "فهلوي"، أي الشخص الماهر الذي يضلل الآخرين، فيمكن تفسير ذلك أيضا بشكل إيجابي، كدليل على مصريته وملائمته لدور القيادة.
فخر قومي
فما فئة الرؤساء التي سينتمي إليها السيسي؟
ثمة عنصر آخر من عناصر النفاق في صورة المرشح الرئاسي المحتمل، وهي أنه يقدم نفسه على أنه ناصر جديد.
ولكن لا يمكنه أن يكون ناصر جديدا، على الرغم من جهوده في محاكاته وتأكيد ابنة عبد الناصر، هدى، بأنه سيكون ناصر الجديد – إلا فيما يتعلق بشئ واحد ألا وهو الاستبداد العسكري.
لا يمكن أن يكون السيسي ناصر الجديد بسبب التغيير العميق الذي طرأ على الأحداث الخارجية والداخلية، حيث انتهت الحرب الباردة، وتضاءل دور مصر الإقليمي بشكل كبير.
ولكن المشير السيسي يسعى لإحياء القومية المصرية، وربما يعود السبب في ذلك بصورة جزئية للهروب من المشاكل الداخلية التي لا مفر منها.
وكانت تعاملاته مع روسيا، بما في ذلك رحلته لموسكو والتي جاءت في توقيت جيد في منتصف فبراير / شباط لإتمام صفقة أسلحة، جزءً من حملته الرئاسية لاستحضار ذكريات رفض عبد الناصر للغرب المكروه إلى حد كبير لصالح السوفييت.
ولكن في الواقع فإن أي صفقة أسلحة مع موسكو ستكون بمثابة غطاء سياسي لاعتماد الجيش المصري المستمر على الولايات المتحدة أكثر من كونها تأكيدا على الاستقلال الحقيقي.
ويحول الاقتصاد المصري الضعيف دون استعراض القوى في المنطقة، التي تضم الآن دولا أصبحت أفضل حالا مما كانت عليه في عهد عبد الناصر.
المشروع الكبير
أما بالنسبة للاقتصاد المحلي، يلوح ظل عبد الناصر مرة أخرى فوق المشير السيسي، الذي وصف الحقبة الجديدة بالفعل بأنها ستشهد مشاريع كبرى، تماما كما فعل عبد الناصر مع سد أسوان ومختلف المشاريع الأخرى.
وفي هذه الحالة فإن المشروع يتمثل في التطوير المقترح لمنطقة قناة السويس، والذي يتم تصويره على أنه القوة الدافعة لمستقبل مصر المشرق كدولة اقتصادية ناشئة.
وفي حين تبدو التنمية في هذه المنطقة منطقية من المنظور الاقتصادي والأمني، إلا أنها ستتعثر بسبب نفس المشاكل الإدارية التي عطلت التنمية الشاملة في مصر، على الرغم من احتمال اهتمام الصينيين والروس بالمشروع بسبب حسابات أمنية خاصة بهم.
وعلاوة على ذلك، يعود سبب اختيار مشروع القناة بصورة جزئية إلى أن تلك المنطقة تمثل مركز أو بؤرة نفوذ الجيش، كما أنها مملوكة بالفعل للمؤسسة العسكرية.
وهنا تكمن الفرصة، على الأقل من وجهة نظر المشير السيسي، بالنسبة للجيش لإظهار براعة إدارته، في نفس الوقت الذي يحصل فيه على مزيد من الإيرادات لصالحه، من خارج ميزانية الدولة.
ومنذ أن أصبح السيسي الحاكم الفعلي للبلاد، زادت وتيرة تعاقد الحكومة مع شركات يسيطر عليها الجيش بشكل ملحوظ، مما يشير إلى تحركاته لتعزيز سيطرته على الضباط، وكذلك خططه للدور الاقتصادي المستقبلي للجيش.
الدولة العميقة
باختصار، سيوسع الجيش تحت قيادة المشير السيسي نفوذه نحو مزيد من الاقتصاد والدولة الرسمية، أكثر أو أقل مما فعله عبد الناصر، ولديه كل فرص النجاح في ذلك.
المكونات المؤسسية الثلاث للدولة العميقة – الجيش وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة – خاضعة بالفعل لسيطرته، وهو الشيء الذي لم يتمكن أي من أسلافه من السيطرة عليه بصورة كاملة.
كان يتعين على عبد الناصر والسادات ومبارك بناء أجهزة الأمن ووكالات الاستخبارات تحت إدارة وزارة الداخلية من أجل تحقيق نوع من التوازن مع المؤسسة العسكرية، بينما لا يحتاج السيسي لذلك.
وتتم الحملة الحالية لمواجهة الجماعات المسلحة من قبل كل من قوات الجيش والأمن، وهو نهج جديد يعكس سيطرة المشير على كل منهما.
أما عن الحياة السياسة والبرلمان والأحزاب السياسية، لا يحتاج المشير السيسي، كما فعل عبد الناصر، لتكوين الحزب الواحد لمزاحمة المعارضة، بما في ذلك في الانتخابات البرلمانية، ولتلميع صورته.
ففي الوقت الحاضر، يعتمد السيسي على الجيش وعناصر أخرى من الدولة العميقة والتكنوقراط في عهد مبارك لإدارة حملته الانتخابية، مما يشير الى أنه يأمل أن يحكم في إطار نسخة جمهورية من حكم الملك عبد الله الثاني في الأردن أو الملك محمد السادس في المغرب، وأن يحقق التوازن بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية الخاضعة له مع الاعتماد على الدولة العميقة في جوهر حكمه.
وبهذه الطريقة، يمكنه استخدام القوى السياسية والجهات الفاعلة المستقلة لامتصاص الصدمات السياسية وتحميلها مسؤولية الإخفاق، والتعامل معها ببراعة في نفس الوقت حتى لا تتجمع في المعارضة ضده.
وفي الوقت الحاضر، يبدو أن العديد من هذه الجهات السياسية الفاعلة راضية بقبول هذا الدور.
ومتى تمردت هذه الجهات على هذا الدور، فسيكون السيسي لديه خيار حشد حزب سياسي تحت وصايته، على الرغم من أن هذه الخطوة ستعكس إما ضعفا أو طموحا جامحا من جانبه.
المشير السيسي هو ضابط موهوب ومراوغ بشكل كبير، نجح في إنقاذ الجيش والدولة العميقة بصورة عامة من الإنهيار المحتمل على أيدي الثوار أو جماعة الإخوان المسلمين.
وعهد إليه بهذا الدور من قبل القيادة العليا في عهد مبارك وطنطاوي، ونجح في تنفيذه، ويجني الآن ثمار أدائه الممتاز.
ويتمثل الخطر الآن في أن يقود طموح السيسي، جنبا إلى جنب مع المصالح المؤسسية والتدريب الكافي والجيش المتعجرف والفاسد، إلى تجاوز سياسي واقتصادي وفي السياسة الخارجية، كما حدث في عهد عبد الناصر.
دكتور روبرت سبرينغبورغ أستاذ زائر في قسم دراسات الحرب بكلية كينغز بجامعة لندن.
زوروا موقعنا الجديد لكل الفيديوهات - رياضية سياسية دينية وثائقة
رجــاء اترك تعليقا عن رايك فيما قرأت او شاهدت
|
Follow @22xc |