مرسي يظهر في جزر المالديف


بعد ثلاثين عاما من الفساد والقمع والتردي الاقتصادي، نجح في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد بحصوله على أكثر من 50 بالمائة من أصوات الناخبين.. وبمجرد أن تم انتخابه لم يهنأ بالجلوس على كرسي الرئاسة، وإنما بدأت تحاصره الاحتجاجات الموجهة من خصومه ومما تسمى (الدولة العميقة)، وانخرطت الأجهزة الأمنية (الشرطة والجيش) في إضعاف سلطته، لتنقض في النهاية عليه وتجبره على الاستقالة بعد مرور عام فقط على توليه السلطة..
 
للوهلة الأولى، يتصور قارئ هذه الكلمات أنني بصدد الحديث عن الرئيس المعزول محمد مرسي ومخطط الانقلاب العسكري عليه.. لكن ما حدث مع مرسي، هو تكرار- إلى حد كبير- لنفس السيناريو الذي واجهه رئيس جزر المالديف محمد نشيد، الذي فاز بأول انتخابات حرة بنسبة تزيد قليلا عن 50 بالمائة، قبل أن تلتهمه مؤسسات الدولة العميقة بالتعاون مع خصومه والطامعين في السلطة خلال عام واحد من دخوله القصر الرئاسي.
 
ما جدد الحديث عن تجربة نشيد والمقارنة بينها وبين تجربة مرسي، هو أن الانقلاب العسكري على نشيد لم يسدل الستار على المشهد السياسي، الذي ظل مضطربا منذ الإطاحة به، وانزلقت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي، لاسيما أن السياحة كانت من أهم موارد النقد الأجنبي والدخل القومي.
 
أجبرت هذه الأوضاع السلطة على الدخول في مسار سياسي، يتمثل في إجراء انتخابات رئاسية في السابع من سبتمبر الماضي، دون إقصاء لأحد، لاسيما نشيد، وهنا جاءت المفاجأة غير المتوقعة، وهي فوز الرئيس المعزول نشيد بالجولة الأولى من هذه الانتخابات.
 
وتم تحديد جولة إعادة في الثامن والعشرين من سبتمبر لأنه لم يحصل على الأصوات الكافية التي تجعله يحسمها من أول جولة (أكثر من 50% من إجمالي الأصوات).
 
غير أن المفاجأت لم تتوقف على الساحة السياسية بالمالديف فقبيل انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات، أصدرت السلطة القائمة قرارا بإرجائها إلى أجل غير مسمى، وهو ما أثار كثيرا من الشكوك في مدى جدية السلطة في المضي في المسار الديمقراطي.
 
وكانت لجنة الانتخابات قد أظهرت أن نشيد سيخوض جولة إعادة في 28 سبتمبر، بعد فوزه في انتخابات الرئاسة بنسبة 45.45% من إجمالي الأصوات دون تحقيق أغلبية، أي نسبة 50%.
 
وأظهرت النتائج حصول عبد الله يمين المنافس الرئيس لنشيد على 25.35%، ويمين هو الأخ غير الشقيق لمأمون عبد القيوم الذي حكم المالديف ثلاثين عاما واعتبره معارضوه وجماعات حقوقية دكتاتورا، وحصل جاسم إبراهيم -وهو صاحب وسائل إعلام وكان وزيرا للمالية في عهد عبد القيوم- على 24.07%، في حين لم يحصل الرئيس الحالي محمد وحيد حسن مانيك (مرشح العسكر) إلا على 5.13% فقط.
 
وإذا عدنا إلى الوراء سنجد تشابها كبيرا بين تجربتي الانقلاب في المالديف ومصر.
 
بعد أن فاز بنسبة 54.2 بالمائة على الدكتاتور مأمون عبد القيوم الرئيس الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما، أدى نشيد اليمين الدستورية في نوفمبر 2008، وتصور آنذاك بأن المعركة قد انتهت، وهو لا يدري أنها بدأت ضده.
 
فقد استغل خصومه بالتحالف مع أصحاب المصالح الذين يسيطرون على مفاصل الدولة هشاشة التجرة الديمقراطية وقرروا إنهاكه من خلال إثارة الاضطرابات والقلاقل، مستخدمين خلالها كافة أسلحتهم من أموال واحتجاجات، لتتصدر الشرطة (التي كانت أهم أدوات القمع في يد الدكتاتور قيوم) المشهد بتمرد كبير أعطى للخصوم والمعارضة دفعة قوية بأن أدوات القوة تخرج عن نطاق سيطرة نشيد.
 
وبعد أن تمت تهيئة الرأي العام، دخل الجيش على خط الانقلاب، ليجبر نشيد على الاستقالة تحت تهديد السلاح.
 
ثم خرج نشيد ليتهم نائبه السابق محمد وحيد بالاشتراك في المؤامرة، مع عدد من ضباط الجيش والشرطة، وهددوه بالعنف ما لم يتخل عن منصبه.
 
ودعا نشيد إلى إجراء انتخابات جديدة للخروج من الأزمة الراهنة، وهدد باحتجاجات واسعة ما لم تتوقف الشرطة عن ملاحقة أنصاره وأعضاء حزبه، وطالب خليفته بالتنحي وتسليم السلطة لرئيس البرلمان لمدة شهرين حتى تتم الدعوة لإجراء الانتخابات.
 
وآنذاك، قال نشيد "نحن نعول على شعب المالديف ولا نعول على المجتمع الدولي".
 
وأدت هذه الاضطرابات إلى تشويه صورة المالديف كمنتجع استوائي لقضاء العطلات، وتقع جزر المالديف في قارة آسيا في المحيط الهندي، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من نصف مليون، وتضم سكانا مسلمين يناهز تعدادهم 350 ألف نسمة.
 
ليس هذا فحسب، وإنما ترصد الانقلابيون لنشيد، ولكن على خلاف ما حدث لمرسي، تركته حرا طليقا لفترة، ثم اعتقلته الشرطة بزعم إساءة استغلال منصبه، وذلك بعدما لجأ للمفوضية السامية الهندية لتفادي اعتقاله.
 
ومثلما هو الحال مع مرسي، وجه القضاء اتهامات مطاطة وغير محددة لنشيد، قال محللون إنها ذات دوافع سياسية.
 
وصدر حكم قضائي باعتقال نشيد بعدما تغيب عن المثول أمام المحكمة في 10 فبراير الماضي في قضية تتعلق باتهامات باحتجازه قاضيا على نحو غير مشروع خلال الأيام الأخيرة لحكمه.
 
غير أن المشهد السياسي أخذ منحى آخر، حيث توقفت ملاحقته وسمح له بخوض الانتخابات، على أمل أن يهزم انتخابيا ويخرج من الساحة السياسية، وهو ما بددته نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات.
 
وطوال هذه الفترة تباينت ردود الأفعال الدولية بين الترقب والحظر والانتقادات التي جاءت على استحياء.
 
ونظرا لأن المصالح هي التي تحرك الولايات المتحدة، فقد اتخذت موقفا مشابها لما يحدث في مصر، فبعد أن ترسخ الانقلاب، اعترفت واشنطن بحكومة الرئيس المدعوم من قبل الانقلاب محمد وحيد، في وقت كان الرئيس المخلوع يؤكد فيه أنه ضحية مؤامرة انقلابية.
 
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، كانت نبرة الانتقادات أعلى، لكن موقفه الأخير من إرجاء جولة الإعادة لم يتعد انتقاد حكومة المالديف وحثها على المضي في المسار الديمقراطي.
 
والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا، هل يتكرر هذا السيناريو في مصر، تحت ضغط الشارع وفشل سلطة الانقلاب في السيطرة على مقاليد الأمور؟ وهل يجبر الانقلابيون في النهاية على تسوية سياسية، قد تعيد الإسلاميين مرة أخرى السلطة؟

ستكشف لنا الفترة المقبل أي مسار ستسلكه مصر.


ميديا واخبار العرب
زوروا موقعنا الجديد لكل الفيديوهات - رياضية سياسية دينية وثائقة

رجــاء اترك تعليقا عن رايك فيما قرأت او شاهدت Facebook Comments تعليقات الفيس بوك




0 comments

ضع تعليق

رجاء اترك تعليقك على ما قرأت

Copyright 2011 موقع الاخبار اخر خبر والاخبار العاجلة Designed by