يخترق فيروس "كورونا" الجديد الذي ينتشر في مناطق عدة في السعودية وبعض أجزاء من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط كل جدران الوقاية، مع ازدياد حالات المرضى والوفيات بهذا الفيروس الذي ما زال "غامضا" بالنسبة لأخصائيي الصحة ولمختبرات التحاليل الطبية.
خروج فيروس "كورونا" عن سيطرة الأطباء ومسؤولي الصحة العامة في السعودية، يدق ناقوس الخطر تزامنا مع اقتراب شهر رمضان وموسم الحج في البقاع المقدسة، مما يثير "مخاوف وبائية" من انتقاله من وإلى المعتمرين والحجاج.
وحذرت تقارير صحافية نشرت في الفترة الأخيرة من أن عدم السيطرة على فيروس كورونا في السعودية والحد من انتشاره عبر الحجاج الذين يقصدون البقاع المقدسة، قد يؤدي إلى "إصابة العالم كله بالفيروس القاتل"، معتبرة أن تجمع نحو 4 ملايين شخص في البقاع المقدسة يحمل مخاطر صحية يجب التنبه لها...
مع ارتفاع حصيلة المصابين بـ"كورونا" ومنهم من لقي حتفه في شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار الماضيين، بات هذا الفيروس يلقى اهتماما عالميا متزايدا لمعرفة طبيعته، وطبيعة المرض الذي يصيبه، فضلا عن أسباب انتشاره في بقع معينة من العالم، لاسيما في السعودية. الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى التشديد على أن الفيروس يطرح "تحديات رئيسية" وقالت إن انتشاره دفع بوزارة الصحة في المملكة إلى "الاعتراف بخطورة هذا التحدي".
وتؤكد السلطات السعودية أنها تبذل جهودا حثيثة للسيطرة على "كورونا"، مشددة على أنها تأخذ هذا "الفيروس الجديد" على محمل الجد.
ما هو هذا الفيروس الجديد الذي يثير الذعر؟
يشير مدير المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية الدكتور علاء العلوان في حوار مع موقع "قناة الحرة"، إلى أن فيروسات كورونا هي من عائلة كبيرة من الفيروسات التي تسبب المرض لدى البشر والحيوانات. وقد تم التعرف على فيروسات كورونا في البدء في سيتينات القرن الحالي، وتم تسميتها نسبة إلى الانعكاسات التي تشبه التاج على سطح الفيروس (crown-like).
وعند البشر، يمكن أن تسبب هذه الفيروسات أمراضا تتراوح في شدتها بين نزلات البرد ومرض التهاب الجهاز التنفسي الحاد المعروف بـ "سارس" (SARS) والمرتبط بثلث التهابات الجهاز التنفسي العلوي عند البالغين، وفق ما يشرح علوان.
وكانت سلالة جديدة من الفيروس المسبب لسارس قد ظهرت في عام 2003 ، أما الفيروس الجديد فيطلق عليه "كورونا فيروس" SARS-CoV.
و MERS-CoV هو الإسم المختصر لالتهاب الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط الذي يسببه فيروس كورونا، وهو سلالة جديدة من فيروسات كورونا لم تظهر لدى البشر من قبل. وقد تم اكتشاف هذه السلالة الجديدة من الفيروس في المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر/ أيلول 2012، وقد تسببت بحالات وفاة في السعودية بسبب مرض حاد في الجهاز التنفسي.
مصدر الفيروس ما زال مجهولا
أما من ناحية المعلومات المتوفرة لدى منظمة الصحة العالمية عن حجم انتقال المرض وانتشاره، فيؤكد الدكتور علوان أنه لا توجد حتى الآن إحصائيات نهائية عن عدد الذين أصيبوا بهذا الفيروس لأنه مرض يتطور بين الناس، موضحا أن أخصائيي الطب لا يعلمون حتى الآن كيف يصاب الناس بفيروس كورونا. إلا أنه يؤكد أن التحقيقات جارية لتحديد مصدر الفيروس، وطرق التعرض التي تؤدي إلى الإصابة به، إضافة إلى طرق انتقاله ونمطه السريري ومسار المرض.
التحقيقات جارية لتحديد مصدر الفيروس، وطرق التعرض التي تؤدي إلى الإصابة به، إضافة إلى طرق انتقاله ونمطه السريري ومسار المرض
مدير المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية الدكتور علاء العلوان
ويقول إنه لا يوجد حاليا أي دليل على أن الناس قد يصابون بالعدوى من خلال الحيوانات، مشيرا إلى حالات أخيرة أظهرت نقل العدوى من إنسان إلى إنسان، وأن هذه الحالات قد تم التأكد منها في الواقع، وأنها حصلت سواء في مراكز الرعاية الصحية أو بين أفراد الأسرة المقربين. ومع ذلك، فإن آلية انتقال المرض عند هذه الحالات سواء عبر الجهاز التنفسي (مثل السعال والعطس) أو الاتصال (تلوث البيئة)، ما زالت حتى اليوم غير معروفة.
خريطة انتشار المرض
على الصعيد العالمي، تم إبلاغ منظمة الصحة منذ سبتمبر/ أيلول 2012 وحتى الآن بما مجموعه 54 حالة مؤكدة مختبريا مصابة بفيروس كورونا، بما في ذلك 30 حالة وفاة، بحسب ما يكشف الدكتور علوان.
وقالت عدة بلدان في الشرق الأوسط إنها سجلت حالات العدوى بين البشر بهذا الفيروس، بما فيها الأردن، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتونس. كما تم إبلاغ منظمة الصحة بحدوث أعراض من المرض نتيجة هذا الفيروس في أربع دول أوروبية وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.
وتم التأكد أن كل الحالات في أوروبا لها علاقة سواء مباشرة أو غير مباشرة بحالات في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، فقد تم التعرف كذلك على حالات في فرنسا والمملكة المتحدة، أصيبت بالفيروس محليا ولم تقم بزيارة منطقة الشرق الأوسط على الإطلاق، ولكنها كانت على اتصال وثيق مع مسافر مريض عاد من منطقة الشرق الأوسط.
ويقول الدكتور علوان إن "منظمة الصحة العالمية تشجع الدول الأعضاء على مواصلة رصد حالات التهابات الجهاز التنفسي الحاد عن كثب".
السعودية... وانتشار الفيروس
في سبتمبر/ أيلول 2012، ظهرت أول حالة مصابة بفيروس "كورونا" الجديد في غرب السعودية وتحديدا في جدة. حينها لم تتوقع الكوادر الطبية أن تنتشر حالات الإصابة به لتصل إلى 31 إصابة، منها 15 وفاة. منذ ذلك بدأت حالة من الهلع تنتشر في المنطقة الشرقية السعودية لاسيما في محافظة الإحساء التي شهدت معظم الإصابات بفيروس "كورونا".
ويؤكد مدير عام مكافحة عدوى الفيروسات في وزارة الصحة السعودية الدكتور عبد الله عسيري، في حوار مع "قناة الحرة" أن جهود وزارة الصحة السعودية متواصلة منذ بداية المرض قبل نحو عام، ومع ازدياد الحالات في نهاية شهر أبريل/ نيسان وبداية شهر مايو/ أيار.
ويوضح أن الجهود تتركز على "البحث عن الحالات وعزلها مبكرا في المنشآت الصحية ثم فحص القريبين سواء في الأسرة أو في العمل أو في المجتمع، وبعد ذلك أخذ العينات اللازمة للتأكد من عدم الإصابة بهذا الفيروس".
جهود وزارة الصحة السعودية تتركز على البحث عن الحالات وعزلها مبكرا في المنشآت الصحية ثم فحص القريبين سواء في الأسرة أو في العمل أو في المجتمع، وبعد ذلك أخذ العينات اللازمة للتأكد من عدم الإصابة بهذا الفيروس
مدير عام مكافحة عدوى الفيروسات في وزارة الصحة السعودية الدكتور عبد الله عسيري
كما تعمل وزارة الصحة السعودية على تحديث وسائل المختبرات، وهي بصدد البحث عن "بروتوكولات علاجية" لعدم وجود أدوية سابقة لمثل هذه الفيروسات، بحسب عسيري. ويضيف قائلا: "نحن الآن في طور التجربة لعدد من الأدوية، ومنها اثنان تبشران بالخير".
التعاون مع منظمة الصحة
ومع انتشار الفيروس، سارعت وزارة الصحة السعودية إلى طلب مساعدة وتعاون منظمة الصحة العالمية. ويلفت عسيري إلى أن وفدا من منظمة الصحة العالمية، قام بزيارتين إلى المملكة، وأن ممثلين عنها متواجدون حاليا في زيارتهم الثانية لمعرفة مدى انتشار المرض.
ويؤكد أن الأطباء وأخصائيي وزارة الصحة يدرسون الحالات في الوقت الراهن بمساعدة خبراء منظمة الصحة بهدف تحسين أسلوب البحث عن الحالات وأيضا لتحسين إجراءات الوقاية داخل المستشفيات.
ومن جانبه، يكشف الدكتور علوان أن منظمة الصحة العالمية تجري حاليا "تحقيقا مشتركا مع وزارة الصحة في المملكة ومع خبراء دوليين لمعرفة أسباب ظهور هذا الفيروس الجديد".
ويشير إلى أن التحقيق يبحث ويركز على كشف الأسباب التي أدت إلى انتشار هذا الفيروس في المملكة العربية السعودية، وكذلك في التدابير الصحية العامة المتخذة من أجل منع انتشاره والسيطرة عليه.
كما ستنظم منظمة الصحة العالمية اجتماعا في المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط خلال الأسبوع الثالث من شهر يونيو/ حزيران الجاري، وذلك بهدف بحث المسائل الرئيسية المتعلقة بانتشار هذا الفيروس وانتقاله بناء على التجارب الحالية.
وكذلك سيضع الاجتماع خريطة طريق ملموسة لجميع البلدان في الشرق الأوسط لوضع تدابير صحة عامة التي لها تأثير في الوقاية من فيروس كورونا والسيطرة عليه.
وفي السياق نفسه، يؤكد علوان أن منظمة الصحة العالمية تشجع جميع الدول الأعضاء على تعزيز مراقبتها لالتهابات الجهاز التنفسي الحاد ولمراقبة أي أنماط غير عادية لحالات الالتهاب الرئوي، لأن أي إشارة ة مبكرة تساهم حتما في رصد سريع للفيروس.
ومن جانبه، يقول مدير عام وزارة الصحة السعودية، الدكتور عسيري إن جزءا كبيرا من التحكم بالفيروسات الجديدة أصبح يُبنى على المعلومات الدقيقة، لافتا إلى أن لدى وزارة الصحة السعودية معلومات أصبحت متوفرة الآن للمواطنين لمعرفة شاملة بوجود المرض، وكذلك للإطلاع على الأعراض التي تستدعي الذهاب إلى المنشآت الصحية.
يبدو أن الهيئات الطبية المعنية في السعودية وعلى مستوى العالم في سباق مع الوقت من أجل لجم انتشار هذا الفيروس ومنعه من التوسع نحو بلدان عدة، وذلك إلى حين معرفة أصل فيروس "كورونا" وأسباب ظهوره. كل هذا يجعل الباحثين الطبيين أمام تحدي الوصول إلى النتائج المرجوة قبل تفاقم الوضع..
زوروا موقعنا الجديد لكل الفيديوهات - رياضية سياسية دينية وثائقة
رجــاء اترك تعليقا عن رايك فيما قرأت او شاهدت
|
Follow @22xc |